إصلاح الجيش الآن

إصلاح الجيش الآن

تصور مقدم لحملة سودان المستقبل- يناير 2024

 

(إصلاح الجيش السوداني والأجهزة النظامية الأخرى يجب أن يبدأ الآن، وهو شرط ضروري للانتصار على المليشيا أو الدخول في مفاوضات بشروط جيدة)

 

مقدمة:

تسبب نظام الانقاذ في أكبر كارثة على الجيش السوداني والأجهزة النظامية الأخرى، وذلك حين حاول ادلجة الجيش واستخدامه لمصلحة الحزب. قام الإسلاميون بخداع الجيش واستخدامه في تدبير الانقلاب المشؤوم في 30 يونيو أولاً، ثم بعد ذلك في مخططاتهم للتوسع (الاسلامي) في دول الجوار.

بعد فشل مشروع ادلجة الجيش قررت الانقاذ تحطيمه وتركيعه وذلك عن طريق خلف فصائل عسكرية جديدة تسيطر عليها أيدلوجيا او حزبيا او بالمال، فكان تأسيس قوات الدفاع الشعبي والقوات الصديقة في الجنوب ثم تكوين حرس الحدود وأخيرا قوات الدعم السريع.

ولم تكن محاولة تدمير الجيش قائمة على استبداله بقوات اخرى، وطرد مئات ان لم يكن آلاف الضباط الوطنيين منه، وكذلك طرد الجنود بالعشرات (دفعة الخمسة ألف ثم دفعة العشرة ألف)، وانما في تخريب عقيدته الوطنية. فبدلاً من أن تكون عقيدته هي الدفاع عن الوطن اصبحت هي الدفاع عن النظام وعن اوهامه الأيدلوجية. ورأينا كيف كانت تفرض اناشيد الاخوان المسلمين وأديباتهم على الجيش وكيف تحول كل التوجيه المعنوي الى توجيه اخواني. هذه الاثار لا نزال نجدها في الجيش وفي عقلية بعض القائمين عليه.

كما كان من افساد الجيش ادخاله في السياسة وفي مجال البزنس. أصبح هم كبار ضباط الجيش هو التعيين في مجال ادارات الشركات الحكومية او تأسيس شركاتهم الخاصة. هيمن رجال الجيش ايضا على المجال السياسي فتم تعيينهم ولاة ومعتمدين وهي مجالات لا علاقة لهم بهم. وإذا كان اهلنا يقولون ان صاحب بالين كذاب وركاب سرجين وقاع فما بالك بمن يركب ثلاثة أسرجة ويكون همه هو المال والتجارة وليس العمل العسكري.

كل هذا ترافق مع افقار متعاظم لصغار الضباط والجنود، حيث قلت مرتباتهم واضطروا للبحث عن اشغال اخرى يسندون بها اسرهم او للبحث عن “انتداب” في اليمن كانت تدفع الرشوات للحصول عليه.

لقد كان هدف اصلاح وتطوير الجيش وحل المليشيات وبناء جيش موحد هو مطلب اساسي للقوى الديمقراطية والثورية، ولقد ضمناه في برنامج سودان المستقبل، وظللنا ندعو لحل قوات الدعم السريع منذ عام 2017.

 

الحال بعد 11 ابريل 2019:

لفد حدد الثوار الشباب منذ البداية أهدافهم في الشعار الذي رفعوه واضحا وعاليا وهو (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل). في سبيل هذا الشعار والتمسك به دفع الثوار الثمن غاليا، حيث تم حصدهم طوال أيام الثورة، ثم في مجزرة فض الاعتصامات، وفي كل المظاهرات بعدها وتحت سمع وبصر الحكومة الانتقالية.

وحين كان موقف الثوار واضحا، فضّلت القوى التي سيطرت على المشهد السياسي بعد 11 ابريل التحالف مع جنرالات البشير ومع قائد المليشيا، وتركت امر اصلاح الجيش لهم وهم سبب الأزمة.

لقد تم تقنين كل الامور السالبة من وجود وبناء المليشيات كجيوس موازية، وتم رفض ادماج جيوش الحركات الثورية ضمن الترتيبات الامنية في الجيش، وتم اهمال التفاوض مع الحركة الشعبية شمال وحركة تحرير السودان – عبد الواحد، كما تم الابقاء على السيطرة الاقتصادية للجيش والدعم السريع على مرافق الاقتصاد الاساسية، حتى قال رئيس وزراءهم حمدوك أن 80% من الموارد خارج سيطرة وارة المالية والحكومة.

كما تم تقنين وضع المليشيا في ثلاث وثائق رئيسية وهي وثيقتهم الدستورية واتفاقات جوبا والاتفاق الإطاري. إن هذا التقنين هو الذي سمح بالتمدد الأخطبوطي للميليشيا وبناءها لإمبراطورتيها العسكرية والاقتصادية والإعلامية الشرسة.

لقد قدمت حملة سودان المستقبل في عام 2021 تصورا متكاملا مكون من 27 صفحة لإعادة هيكلة وتحديث القوات النظامية في السودان، كما شاركت في ندوات وورش عديدة قدمت فيها هذه التصورات. للأسف لم يتم الاخذ باقتراحاتنا ولا اقتراحات غيرنا التي تهدف للإصلاح. يمكن الاطلاع على ذلك التصور في الرابط التالي: https://archive.org/details/adil-armed-forces

 

الحال بعد 11 ابريل 2023:

في الفترة السابقة وبعد اندلاع الحرب قدمت الحملة عدة تصورات عن اصلاح الجيش والأجهزة النظامية، كما ناقشت عدة تصورات بديلة للتعامل مع قضية اصلاح القوات المسلحة والاجهزة النظامية الأخرى. في الوقت الحاضر نلخص موقفنا بالتالي وحسب ما اقرته هيئات الحملة (في اجتماع بعض قيادات الحملة في بورتسودان 26 ديسمبر 2023 وفي اجتماع المكتب التنفيذي ليومي 21و22 يناير 2024):

  • تغيير العقيدة العسكرية للجيش (ولجميع القوات النظامية) من عقيدة عسكرية حزبية أيدلوجية تقوم بالدفاع عن الأنظمة الى عقيدة عسكرية جديدة مرتبطة بحماية الوطن وأمن الشعب وخياراته الديمقراطية والمدنية. هذا يستدعى خروج الجيش تماما من السياسة ومن صراعات الأحزاب وخروج الاحزاب من الثكنات برفض أي تكوينات حزبية داخل الجيش، ومحاسبة أعضاء أي خلايا حزبية بالطرد من الجيش والسجن طويل الأمد،
  • تحديد الأهداف السياسية للحرب الحالية: في رأينا ان وصف حرب الدعم السريع بالتمرد خاطئ. هذه حرب شاملة على المجتمعات السودانية والدولة السودانية. كما انها حرب استيطانية تعمل على التغيير الديمغرافي والتطهير العرقي. يجب وصف مليشيا الدعم السريع بما هي عليه أنها حركة ارهابية وأنها تمارس الحرب على الشعب السوداني وليس الدولة السودانية فحسب،
  • إعلان التعبئة العامة، باعتبار ان البلاد تواجه خطرا وجوديا وحرباً مدعومة من الخارج، وتكوين مجلس للأمن والدفاع ينعقد يوميا، وغرفة لإدارة العمليات (غرفة الحرب) يضم إليها أبرز القادة الذين اظهروا مواهبا متقدمة خلال الأشهر التسعة السابقة، ورفع درجات الانضباط في الجيش الى اعلى الدرجات، ورصد ومحاسبة كل المتمردين والموالين للمليشيا والمخذلين في صفوف الجيش (الطوابير)،
  • رفض عقلية التمليش والقتال بالوكالة، ومن ثم الدمج الفوري لكل القوات التابعة للدولة حاليا، من قوات الجيش والاحتياط ( المستنفرين) وقوات الحركات المسلحة وقوات ما يسمى بالمقاومة الشعبية، وتعيينهم جميعا جنوداً وضباطاً في الجيش السوداني بما يشمل ذلك توزيع الرتب عليهم وتخصيص المرتبات وفوائد ما بعد الخدمة لهم، وتوزيعهم على مختلف الافرع والأسلحة وإعادة تأهيلهم تدريبهم تحت أمرة ضباط شباب من الجيش السوداني، وصولا الى بناء جيش موحد وعصري بقوة 300 ألف عنصر على الاقل حتى نهاية عام 2024،
  • حل كتيبة البراء بن مالك الحزبية الأيدلوجية، وتخيير عضويتها إما بالانضمام للجيش كجنود وضباط صف وضباط (حسب تأهيلهم) وتوزيعهم على أفرع الجيش المختلفة واسلحته، على أن يدينوا بالولاء للجيش فقط وعقيدته العسكرية، أو التعامل معهم كعدو مثلهم تماما مثل متمردي الدعم السريع،
  • فتح باب التجنيد داخل الجيش والقوات النظامية أمام جميع ابناء وبنات الشعب السوداني، دون تمييز جهوي أو اثني، وبما يشمل ذلك اعضاء مليشيا الدعم السريع الذين انسلخوا عنها، ولم يقوموا بارتكاب جرائم ضد حقوق الانسان، حتى يكون هناك اندماج قومي في القوات النظامية،
  • وقف القصف العشوائي الذي يتضرر منه المدنيين، وتسليح الجيش بأسلحة دقيقة التصويب شديدة النيران، وفق خطط علمية ووفق مقتضيات الحرب وفنونها،
  • استقالة أو إقالة كل الصف القيادي العسكري الحالي، وذلك بسبب تورطهم في تمدد مليشيا الدعم السريع، وفشلهم في إدارة الملف السياسي والملف العسكري طوال فترة ما بعد 11 ابريل 2019، ودورهم في الأخطاء والجرائم الفظيعة التي تمت للسودانيين قبل وبعد سقوط نظام البشير، وفشلهم في حسم الصراع بعد 15 ابريل، وضرورة تولي قادة جدد شباب لأمر الجيش والقوات النظامية،
  • على المدى الاستراتيجي: وضع كل القوات النظامية تحت قيادة سياسية مدنية، بعد ان تزاح كل القيادات العسكرية القديمة المجرمة منها. ان الحديث غير العلمي من جنرالات البشير بعدم تدخل المدنيين في اصلاح الجيش قد أدى الى الحرب، ولا يمكن بعد اليوم ان يترك أمر العقيدة العسكرية أو الهيكلة أو التموضع أو حتى توفير التدريب والتسليح للعسكريين، هذه امور تتعلق بالأمن الوطني ويجب ان تقوم بها الجهات المدنية المنتخبة من حكومة وبرلمان، وما على القوات النظامية الا تنفيذ الأوامر وتطبيق الجزء الفني منها.

 

إصلاح الأجهزة النظامية الأخرى:

في الوقت الحالي تعاني الأجهزة الأمنية الأخرى من ترهل ومشاكل عديدة، نقترح لحلها واصلاحها التالي:

  • استنفار وتعبئة كل قوات الشرطة لتقوم بمهامها في كل المناطق التي لا تسيطر عليها المليشيا، وتوجيه جزء منها لمساندة المجهود العسكري في مناطق العمليات (كقوات امداد واسناد). في هذه اللحظة هناك آلاف من جنود وضباط الشرطة قابعون في بيوتهم دون تكاليف ودون عمل ويأخذون مرتبات.
  • توقف قوات الامن والاستخبارات العسكرية فورا عن الاعتقالات السياسية وعن استهداف المهمشين. هذه الاعتقالات تكرس الاتهامات بأن هذه الحرب سياسية اخوانية من طرف الجيش والقوات النظامية، وهي تهدم الوحدة الوطنية التي نحن في أكثر الاحتياج لها في مواجهة المليشيا الإرهابية، كما إنها تهدم النسيج الاجتماعي.
  • تنظيم باب التطوع في قوات الاحتياط، على أن يكون جنودها أيضا في قوائم القوات المسلحة، تصرف لهم نصف المرتبات على الأقل، ويمكن ان يساهموا في تأمين المدن وبناء الخطوط الدفاعية وعمل الاسناد في الخطوط الخلفية،
  • فرض الانضباط على قوات الشرطة والامن والاستخبارات العسكرية، ومحاربة الفساد فيها، والقضاء على أي طوابير وبؤر متعاملة مع العدو وسطها.

 

خاتمة:

في ظل سيطرة المليشيا الكلية او شبه الكلية على ستة ولايات سودانية (الخرطوم وجنوب وغرب ووسط وشرق دارفور والجزيرة)، ومحاصرتها أو تهديدها لأربع ولايات أخرى (غرب كردفان وشمال كردفان وشمال دارفور والنيل الأبيض)، واختراقاتها لبعض الولايات الأخرى، أصبحت مهمة إصلاح الجيش ضرورية لوقف تمدد التمرد ومن ثم طرده من الولايات التي يحتلها، او حتى للدخول في أي مفاوضات من وضع قوي وبشروط جيدة.

لقد واجهت جيوش كثير من الدول هذه المشكلة وحلتها، ومن بينها الجيش الاوكراني الذي كانت 6% من قواته فقط صالحة للقتال ابان الغزو الروسي الأول في 2014، فأصبحت في عام 2022 جاهزة بنسبة 75%، كما أعلنت الدولة التعبئة العامة والتجنيد الاجباري بعد الغزو الثاني، ورفعت تعداد الجيش منذ فبراير 2022 من 200 ألف جندي الى حوالي مليون جندي وجندي احتياط حالياً.

إن عقلية وسياسة التمليش يجب أن تنتهي مرة والى الابد، أولا لأنها مضرة بالجيش ومعنوياته وبالبلد واستقراره، وثانيا لأنها لن تؤدي للانتصار على مليشيا متمرسة في القتال وذات خبرات اعلى من الشباب ضعيف التدريب والتسليح الذي يرمي به في محرقة القتال، فيصبح فريسة سهلة لقوات المليشيا التي لها خبرة قتالية في دارفور وفي اليمن وخلال 9 أشهر الحرب الحالية.

لقد آن الأون للجيش أن يتولى مسؤوليته في الدفاع عن الوطن والشعب، ولضباط وجنود الجيش الشرفاء ان يرجعوا الأمور الى نصابها، بإصلاح الجيش في اتجاه بناء جيش محترف وعصري وحديث، يعبر عن كل السودان ويحمي أمنه واستقراره وتقدمه وازدهاره.

 

عادل عبد العاطي

22 يناير 2024م

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *